كيف تحمي علامتك التجارية من مخاطر عالم ميتافيرس؟
لا حدود للواقع سوى خيالك في عالم ميتافيرس (Metaverse) الآخذ في الانتشار، والذي نشأ من وحي الخيال العلمي؛ حيث يَعِدُنا بأفكار لم يَسبق لها مثيل من قبل، وقد أظهرَت الحملات الناجحة التي أُطلِقَت في العديد من المجالات - بدءاً من مجال الأزياء ووصولاً إلى مجال العقارات - القيمة التي يمكن أن يحملها عالم ميتافيرس، إلَّا أنَّ هذا العالم ليس بالمدينة الفاضلة؛ إذ تعرَّض الرواد الأوائل في سوق الميتافيرس إلى انتقادات واسعة بسبب جرائم ميتافيرس ومخاوف تتعلق بالسلامة، فإذا ما كان عالم ميتافيرس بمنزلة الحدود الجديدة للإنترنت، فهي تشبه بذلك الغابة؛ فلا ضوابط أو قوانين تحكمه حالياً؛ مما أدَّى إلى غياب الاتِّساق في التوقعات وتجارب المستخدِمين، ولا سيما فيما يتعلَّق بأفضل ممارسات الأمان والخصوصية.
وفقاً لاستطلاع أجرته منصة "سبراوت" (Sprout) على 300 مسوِّق مسؤول عن استراتيجية علامتهم التجارية على وسائل التواصل الاجتماعي، ذكرَ 64% منهم أنَّ البيانات والخصوصية وأمان العلامة التجارية هي مخاوف مرتبطة بعالم ميتافيرس؛ لذا على القادة الاستمرار في تحديد هذه المخاطر ومعالجتها إذا كانوا يريدون توسيع نطاق استراتيجياتهم في عالم ميتافيرس.
مخاطر عالم ميتافيرس على العلامات التجارية:
إنَّ المخاطر التي تتمخَّض عن عالم ميتافيرس هي مجرد تكهُّنات تقريباً، شأنها شأن الوعود التي يعِدُنا العالم بها، لكنْ ثمَّة مخاوف مشروعة بشأن الجانب السلبي من عالم ميتافيرس؛ فترويج المعلومات الكاذبة ونشر خطاب الكراهية ما هي إلَّا غيض من فيض القضايا التي تواجه عالم ميتافيرس؛ إذ تتطلَّب معالجة هذه المخاطر مواجهة قضايا تقنيَّة وأنظمة وتعليم واستثمار غير مسبوق، ومع تجاوز الاستثمارات في عالم ميتافيرس 120 مليار دولار في أوائل عام 2022 - أي أكثر من ضعف الاستثمار فيه عام 2021 - فيتعيَّن على العلامات التجارية عدم التواني عن إيجاد الحلول.
إليك فيما يلي مخاطر عالم ميتافيرس التي يجب أن تكون العلامات التجارية على دراية بها عند الانضمام إليه:
1. مخاوف بشأن الخصوصية في عالم ميتافيرس:
بلا شك تُعَدُّ الخصوصية من أكثر المخاطر التي تُهدِّد المستخدِمين؛ فبما أنَّها جزء من "ويب 3.0" (Web3)؛ يعتمد عالم ميتافيرس اعتماداً كبيراً على الإنترنت وغيره من التقنيات الناشئة التي من المُحتمَل أن تزيد من كمية ونطاق البيانات الشخصية المتاحة للاستغلال؛ فكلَّما زادت البيانات التي يضعها شخص ما على الإنترنت، زادت بصمتهم الرقمية؛ مما يعني ازدياد مخاطر التهديدات الإلكترونية والخروقات الأمنية.
إلى جانب البيانات الشخصية التقليدية التي تجمعها المنصات عبر الإنترنت - مثل: العناوين والأسماء - سيجمع عالم ميتافيرس معلومات جديدة أيضاً؛ مثل المقاييس الحيوية والتسجيلات الصوتية، وهذا النوع من المعلومات لا يُقدَّر بثمن بالنسبة إلى شركات الطرف الثالث المختصة بالبيانات والمسوقين والمجرمين الذين يمكنهم جمع البيانات وإساءة استخدامها.
تتضمن بيانات المستخدمين الموجودة في عالم ميتافيرس حالياً البيانات التي تجمعها أجهزة الاستشعار والموقع والبيانات الفسيولوجية والاجتماعية؛ على سبيل المثال يمكن لسماعات الرأس بتقنية الواقع الممتد (XR) تسجيل سمات وجه المستخدم وحركة عينيه وحركاته والبيئة المحيطة به والنشاطات التي يمارسها في عالم ميتافيرس.
ما يمكنك القيام به حيال ذلك:
يضغط المدافعون عن خصوصية البيانات على الشركات لمشاركة ممارسات جمع البيانات مع المستهلكين، سواءَ كان ذلك شرطاً قانونياً أم محاولة لتوضيح الأمور، فكما هو الحال مع أيَّة منصة تجمع بيانات المستخدمين؛ على القادة تحديد نوع البيانات التي يجمعونها ويُخزِّنونها وتحديد الإجراءات المناسبة لحمايتها، كما عليهم مراعاة الجوانب القانونية؛ والتي ليست واضحة أيضاً إلى حد ما؛ نظراً إلى عدم وجود تعريفات واضحة لما يُعَدُّ معلومات عن بيانات شخصية في عالم ميتافيرس.
2. مخاوف أمنية تتعلق بعالم ميتافيرس:
يواجه عالم ميتافيرس مخاطر الأمن الإلكتروني ذاتها التي تواجه المنظمات الحديثة كالبرمجيات الخبيثة، لكنْ تُوجَدُ نقاط ضعف جديدة أيضاً يمكن للقراصنة استغلالها؛ إذ يمكن لشخص اختراق حساب للوصول إلى الرسائل الشخصية والمعلومات المصرفية والصور والأفاتار والرموز غير القابلة للاستبدال (NFT) وغيرها من العناصر الرقمية.
يواصل قادة المجال البحث عن طرائق جديدة لتحسين الأمان في عالم ميتافيرس، ولا سيما وأنَّ إخفاء الهوية يزيد من المخاوف الأمنية. كشفَ تقرير أعدَّتهُ منصة "تيديو" (Tidio) أنَّ ما يجذب الكثيرين إلى عالم ميتافيرس هو القدرة على إنشاء هوية خارج إطار الواقع المادي، إلَّا أنَّ إخفاء الهويَّة يؤدي إلى إتاحة الطريق أمام عمليات التصيُّد الاحتيالي عبر الإنترنت والسلوك المسيء؛ إذ يمكن انتحال هويات مستخدمي عالم ميتافيرس أو اختراقها أو الاستيلاء عليها تماماً لسرقة معلومات حساسة، ويمكن أن يعزِّزَ عالم ميتافيرس هذا السلوك إذا لم تتم معالجة الأمر.
يُعَدُّ استخدام البيانات الحيوية عند إنشاء الحساب وتسجيل الدخول في عالم ميتافيرس طريقة شائعة لحماية الهوية الرقمية للمستخدم؛ على سبيل المثال من المحتمل أن يصبح مسح بصمات الأصابع والتعرُّف إلى الوجه خطوة افتراضية لتسجيل الدخول إلى عالَم ميتافيرس.
ما يمكنك القيام به حيال ذلك:
على القادة مواجهة حقيقة ما إذا كانت مؤسساتهم مجهَّزة بالأدوات الأساسية لاكتشاف الشفرات الخبيثة لمشاريع عالم ميتافيرس واحتوائها وإزالتها، كما عليهم تحديد شكل الاستجابة إلى الحوادث الأمنية في عالم ميتافيرس، وكيف سيكون الخرق وكيف ستتعامل العلامة التجارية مع الأمر وتستجيب إليه.
على القادة فهم وإنشاء أُطُر عمل للتعاون؛ وذلك لتطبيق الاستجابة إلى الحوادث الأمنية بكفاءَة؛ لأنَّ الإجابات عن الأسئلة السابقة تتطلَّب دعماً من داخل منصات عالم ميتافيرس وخارجها.
3. إمكانية الوصول:
سيقرِّب عالم ميتافيرس المثالي بين العالم الافتراضي والمادي بسلاسة، لكنْ تُوجَدُ بعض المعوقات التي تمنع معايشة تجربة شاملة في عالم ميتافيرس؛ الأمر الذي ما تزال حتى شركات التكنولوجيا الكبرى تحاول حله؛ فكيف سيعيش الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة والمستخدمون المصابون باضطرابات التنوع العصبي تجربة عالم ميتافيرس؟ وكيف يمكن لمنشِئِي عالم ميتافيرس مكافحة الذكاء الاصطناعي المتحيِّز (AI) والخوارزميات؟ إذا لم تتم معالجة هذه الأنواع من المشكلات، فيمكن أن تؤدي الحدود الرقمية الجديدة إلى مزيد من عدم المساواة والتمييز العنصري.
سيواجه كل من العلامات التجارية والمستخدمين صعوبات في تحمُّل التكاليف أيضاً؛ حيث يمكن أن تكون الأجهزة اللازمة لتجربة عالم ميتافيرس؛ مثل سماعات رأس الواقع المعزز (AR) والواقع الافتراضي (VR) والملابس المتفاعلة مع حاسة اللمس (haptic bodywear)، ولن تستطيع المشاركة في عالم ميتافيرس إذا كنتَ لا تستطيع دفع ثمنها، أمَّا بالنسبة إلى شركات التكنولوجيا والعلامات التجارية، فإنَّ تكاليف سلسلة الكتل (blockchain) والذكاء الاصطناعي هي مصدر قلق كبير، ولا سيما عند محاولة إثبات العائد على الاستثمار في هذه الاستثمارات.
ما يمكنك القيام به حيال ذلك:
يُعَدُّ تبنِّي أساليب التسويق التي تدمج تجارب الحياة الواقعية والرقمية معاً حلَّاً رائعاً للعلامات التجارية التي ترغب في صياغة استراتيجية شاملة لدخول عالم ميتافيرس؛ إذ يتوقَّع كل من المسوقين 72% والمستهلكين 60% أن تواصِلَ العلامات التجارية الجمع بين تجارب الحياة الواقعية والرقمية في عام 2023.
4. جرائم عالم ميتافيرس:
تُعَدُّ أعمال التخريب والتحرُّش والاعتداء من المخاطر المتزايدة في عالم ميتافيرس؛ حيث تنقل التجاربُ التفاعلية المدعومة بتقنية اللمس اللمسةَ من العالَم الافتراضي إلى المُستخدِم في الحياة الواقعية؛ مما أثار مخاوف بشأن احترام الحدود الشخصية؛ وذلكَ بعد تسجيل العديد من حالات التحرُّش.
كما وستكون جرائم الاحتيال والسرقة - ولا سيما سرقة الرموز غير القابلة للاستبدال وعمليات الاحتيال باستخدام العملات المشفرة - واسعة الانتشار أيضاً؛ فقد يدفع الضحية مقابل سلعة افتراضية يشتريها، ولكنَّه لا يستلمها، كما تنتشر عمليات التصيد الاحتيالي والهندسة الاجتماعية؛ والتي يُستدرَج من خلالها الناس لتقديم معلومات شخصية؛ إذ يتظاهر المعتدي بأنَّه مالك لعلامة تجارية كبيرة، فيخدع المستخدمين لإنفاق أموال حقيقية على منتجات أو خدمات أو حملات غير موجودة، ويمكن أن تؤدي الشخصيات المزيفة هذه إلى غياب الثقة في العلامات التجارية وإلحاق الضرر بالعمل بسبب عدم رضى العملاء.
ما يمكنك القيام به حيال ذلك:
على الشركات التفكير في كيفية المساعدة على حماية عملائها من عمليات الاحتيال وكيفية تعويض المتضررين إذا انتحلَ أحد المجرمين الإلكترونيين صفة علامتهم التجارية، ولمنعِ الجرائم في عالم ميتافيرس؛ فكِّر في استخدام المصادقة ثنائية العوامل أو متعددة العوامل كإجراء وقائي ضد عمليات الاستحواذ على الحساب.
كيف تحمي علامتك التجارية من مخاطر عالم ميتافيرس؟
كما هو الحال مع أيَّة تقنية جديدة؛ ستظهَر المزيد من المخاطر في عالم ميتافيرس؛ وذلك مع نمو هذا الفضاء الإلكتروني وتطوره، لكنْ ما يزال في إمكان المنظمات اتِّخاذ تدابير لضمان أمن العلامة التجارية.
لذا إليك فيما يلي بعض النصائح التي يمكن لقادة التسويق والأعمال اتِّخاذها لمعالجة التهديدات المحتملة قبل الانضمام إلى عالم ميتافيرس، إلى جانب حماية التواجد الإلكتروني الحالي لعلامتك التجارية:
1. أَنشِئ فريق بيانات وأمن في عالم ميتافيرس:
على القادة الوعي بالتحديات الشائعة التي تواجه الأمن الإلكتروني؛ لذا نظِّم فريقاً أمنياً رقابياً شاملاً لتطوير البروتوكولات والإجراءات، وعلى الفريق أن يكون مسؤولاً عن فهم مخاطر عالم ميتافيرس المختلفة الناشئة والإبلاغ عنها، كما يمكن أن يشمل ذلك تطبيق الأمن الإلكتروني للذكاء الاصطناعي للإبلاغ عن أيَّة إساءة استخدام وسوء سلوك وأيَّة سلوكات سلبية أخرى. ضعْ في الحسبان منح المستخدِمين حق الوصول إلى المسؤولين عن المنصة، والذين يمكنهم التدخُّل عن طريق توقيف الأعضاء أو طردهم من عالم ميتافيرس.
2. طوِّر شروطاً وأحكاماً في عالم ميتافيرس:
سواءَ بدأتَ العمل في عالم ميتافيرس لمدة مؤقتة أم اخترتَ أن تشغل مساحة دائمة فيه؛ فضَع بعض الشروط والأحكام لبناء مجتمع رقمي يحمي علامتك التجارية؛ على سبيل المثال لمنع الاستيلاء على الأفاتار؛ ضعْ في الحسبان طلب أشكال فريدة أو حسابات مقترنة برموز غير قابلة للاستبدال لمنع انتحال الهوية؛ إذ تُصعِّب هذه المتطلبات على مجرمي الإنترنت انتحال الهويات في عالم ميتافيرس.
3. أنشِئ سياسة الخصوصية والأمان في عالم ميتافيرس:
قبلَ إنشاء منتجات أو تقديم خدمات أو تجارب في عالَم ميتافيرس، قدِّم للمستخدمين سياسة أمان وخصوصية، وقد تكون بعض هذه الإرشادات جزءاً من سياسات مزود المنصة التي يستضيفها عالم ميتافيرس.
بعض السياسات التي يجب مراعاتها:
- بيانات المستخدمين: حدِّد نوع البيانات التي تخطِّط لاستخدامها ومدة استخدامها، واضمنْ للمستخدِمين حق الوصول إلى المعلومات الشخصية.
- التواصل: وضِّح حقوق المستخدِمين في التواصل المرغوب وغير المرغوب فيه، بما أنَّه قد يختلف اعتماداً على التكنولوجيا المُستخدَمة والمنصة؛ على سبيل المثال يتضمَّن عالم الواقع المعزَّز عمليات تواصل من جهة افتراضية إلى جهة افتراضية ومن جهة مادية إلى افتراضية، أمَّا في عالم الواقع الافتراضي، فالتواصُل كله من جهات افتراضية إلى جهات افتراضية.
- الملكية: المحتوى الذي ينتجه المستخدم هو أحد أعمدة عالم ميتافيرس؛ حيث يمكن أن يتنوَّع هذا المحتوى على نطاق واسع ويمكن تحقيق الدخل منه؛ لذا أَنشِئ قواعد تتعلَّق بملكية السلع الرقمية الافتراضية وأشكال الأفاتار والرموز غير القابلة للاستبدال وغيرها، واستخدِمْ تقنية مثل سلسلة الكتل لتتبُّع ملكية الأصول لإدارة ملكية المحتوى.
4. أَنشِئ فريق إشراف في عالم ميتافيرس:
كوِّن فريق إشراف مخصَّص لمراقبة المنصَّة التي تختار العمل عليها في عالم ميتافيرس؛ إذ يجب على هذا الفريق مراجعة ومعالجة النبرة والمحادثات وردود الفعل لمنع أي تصعيد، كما يمكنك إنشاء فريق خدمة عملاء لمتابعة قواعد حسابك في عالم ميتافيرس أو العمل بمنزلة "خط ساخن" مباشر للتواصل مع المستخدمين عندما يحتاجون إلى المساعدة؛ مما يساعد على ضمان أنَّ المستخدمين يتبعون القواعد، ويُقلِّل من المخاطر التي قد تواجهها المنصة والمستخدمون الآخرون.
يَغفَل العديد من مستخدمي عالم ميتافيرس عن حماية أنفسهم في البيئات الافتراضية، ولا سيما تلك المستخدمة للترفيه؛ فحتى العلامات التجارية التي تعمل في عالَم ميتافيرس يتعيَّن عليها تدريب الموظفين على الممارسات الأمنية، ونظراً إلى أنَّ المستخدِمين قد لا يكونون مدركين لأهمية الأمن الإلكتروني؛ فيمكن أن يساعد إنشاء مبادرات أمنية تعلِّم المستخدمين كيفية توخِّي الحذر على منع إساءة الاستخدام والانتهاكات.
في الختام:
عالم ميتافيرس ليس مثالياً، ولكنَّه مليء بالفرص التي لم نتخيلها أبداً؛ لذا من خلال اتِّخاذ هذه الإجراءات؛ يمكنك حماية علامتك التجارية من مخاطر عالم ميتافيرس وإعداد شركتك للنجاح.