التسويق في الميتافيرس وWeb3- بناء العلامات التجارية في العوالم اللامركزية - الجزء الثاني

في الجزء الأول من هذه السلسلة، استكشفنا كيف يمثّل التسويق في الميتافيرس و(Web3) تحولاً جذرياً يتجاوز الأساليب التقليدية، وأدركنا أن فهم هذه العوالم اللامركزية ومفاهيمها الأساسية، من العملات المشفرة واللامركزية إلى الرموز غير القابلة للاستبدال، هو الخطوة الأولى نحو تشكيل مستقبل علاقة علامتك التجارية بجمهورها.

الآن، ننتقل إلى الخطوة الثانية والأكثر أهمية: الغوص عميقاً في الاستراتيجيات العملية والفرص الواعدة التي يمكن للمسوقين اغتنامها لتحقيق النجاح في هذا العصر الرقمي الجديد. تابع معنا لاستكشاف كيف يمكنك تحويل علامتك التجارية إلى قوة رائدة في هذه العوالم الرقمية المتطورة.

استراتجيات التسويق في الميتافيرس

لتحقيق النجاح في بيئة الميتافيرس المتطورة، يجب على المسوقين تبنّي استراتيجيات مبتكرة تتجاوز الأساليب التقليدية:

1. إنشاء تجارب مخصصة وجذابة للعلامة التجارية

تركز هذه الاستراتيجية على تصميم تفاعلات عميقة وغامرة تتيح للمستخدمين التفاعل مع العلامة التجارية بطرائق فريدة؛ إذ يكمن الهدف في بناء علاقة عاطفية وتقديم قيمة حقيقية تتناسب مع اهتمامات الجمهور داخل العالم الافتراضي.

على سبيل المثال، أطلقت "هيونداي" (Hyundai) "يونفيرس" (Universe) في منصة "روبلوكس" (Roblox)، وهي مساحة افتراضية تسمح للمستخدمين بتجربة سيارات "هيونداي" الافتراضية، وقيادتها في عوالم مختلفة، والمشاركة في ألعاب مصغرة، مما يخلق تجربة تفاعلية تدمج اللعب بالترويج لعلامة السيارات.

2. الاستفادة القصوى من الابتكار التكنولوجي

تتطلب هذه الاستراتيجية تبني أحدث التقنيات في مجال الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR)، وتقنيات البلوك تشين، لإنشاء حملات تسويقية غير تقليدية ومبتكرة. يتعلق الأمر باستكشاف كيفية دمج هذه الأدوات لتقديم تجارب فريدة لا يمكن تحقيقها في العالم المادي.

على سبيل المثال، أطلقت "لوريال" (L'Oréal) مجموعةً من الـ (NFTs) المتعلقة بالجمال والمكياج الافتراضي بالتعاون مع فنانين رقميين، مستخدمة تقنية البلوك تشين لتقديم أصول رقمية فريدة تتماشى مع هويتها كعلامة تجارية رائدة في صناعة التجميل.

3. التفاعل مع المجتمع وبناء العلاقات القوية

يتطلب التسويق في الميتافيرس بناء علاقات حقيقية وذات مغزى مع المستخدمين والمجتمعات الافتراضية. يشمل هذا الاستماع إلى آراء الجمهور، والتفاعل معهم مباشرةً، والمساهمة في بناء بيئة داعمة حول العلامة التجارية، بدلاً من مجرد بث الرسائل التسويقية.

على سبيل المثال، أنشأت علامة الأزياء الفاخرة "بالينسياغا" (Balenciaga) شراكات مع ألعاب فيديو مثل "فورتنايت" (Fortnite)، ليس فقط لبيع أزياء رقمية، بل أيضاً للانخراط مباشرة مع مجتمعات اللاعبين، مما سمح للمستخدمين بشراء أزياء "بالينسياغا" لأفاتارهم والتفاعل مع العلامة التجارية ضمن سياق اللعبة.

4. التركيز على الأمان الرقمي والخصوصية

مع تزايد حجم البيانات والتفاعلات في الميتافيرس، يجب أن يكون أمان البيانات وحماية خصوصية المستخدمين أولويةً قصوى. تضمن هذه الاستراتيجية بناء الثقة مع الجمهور من خلال الشفافية في استخدام البيانات واتباع أعلى معايير الأمان لحماية الأصول الرقمية للمستخدمين وتفاعلاتهم.

على سبيل المثال، تستثمر شركات مثل "أكسنتشر" (Accenture) في تطوير منصات وتطبيقات الميتافيرس الخاصة بها مع التركيز على الأمن السيبراني وحماية البيانات، لتقديم بيئة عمل وتفاعل آمنة لعملائها وموظفيها في العالم الافتراضي.

5. تحليل الأداء والتكيف المستمر مع التغيرات

يتّسم عالم الميتافيرس بالتطور السريع؛ لذا، فإنَّ مراقبة أداء الحملات التسويقية وتحليل سلوك المستخدمين باستمرار أمر بالغ الأهمية. يجب أن تكون الشركات مرنةً وقادرةً على التكيف بسرعة مع التقنيات الجديدة، وتفضيلات الجمهور المتغيرة، والفرص الناشئة لضمان بقاء استراتيجياتها فعالة ومؤثرة.

على سبيل المثال، أطلقت "سبوتيفاي" (Spotify) "سبوتيفاي آيلاند" (Spotify Island) في "روبلوكس" لتقديم تجارب موسيقية. من خلال تحليل بيانات تفاعل المستخدمين مع الفنانين والألعاب داخل الجزيرة، يمكن لـ "سبوتيفاي" تكييف استراتيجياتها لتعزيز مشاركة الجمهور واكتشاف الفنانين الجدد في الفضاء الافتراضي.

بناء تجارب العلامة التجارية الغامرة

يبحث عديدٌ من رواد الأعمال عن طرائق لبناء وتسويق علاماتهم التجارية بأحدث الوسائل، بهدف الوصول إلى الجمهور المستهدف. في هذا السياق، يبدو أنَّ المنافسة في العالم الافتراضي -الذي بات يعرف بـ"الميتافيرس" (Metaverse)- أصبحت طموحةً للغاية.

رغم التكلفة الأولية التي قد تبدو باهظة، يدرك الاقتصاديون جيداً أنَّ عالم الميتافيرس سيصبح خلال فترة وجيزة بيئة خصبة للاستثمار. يتوقع محللو "بلومبيرغ إنتليجنس" (Bloomberg Intelligence) أنَّ المنافسة من خلال الميتافيرس قد تكون فرصةً سوقيةً تصل قيمتها إلى 800 مليار دولار، مما يؤكد على الإمكانات الاقتصادية الهائلة لهذه المساحة الرقمية.

في مقال على موقع "فوربس" (Forbes) الأميركي، كتب فيكاس أغراوال -المؤسس المشارك في وكالة التصميم الإنفوغرافي "إنفوبراندز" (Infobrandz)- عما يُطلق عليه بناء العلامة التجارية على الميتافيرس. يقول أغراوال -وهو خبير أيضاً في الاتصال المرئي- إنَّ الميتافيرس يمكنه أخذ العلامة التجارية إلى واقع جديد تماماً، وستكون التجارب الافتراضية المبتكرة تذكرتك لتحقيق أهدافك في هذا العالم.

لتحقيق ذلك، يجب على المسوقين اتباع الخطوات التالية:

• تصميم مساحات وتجارب تفاعلية في العالم الافتراضي: يتضمن ذلك إنشاء بيئات ثلاثية الأبعاد تسمح للمستخدمين بالتجول، والاستكشاف، والتفاعل مع المنتجات والخدمات بطرائق غير مسبوقة.
• إشراك المستخدمين في أنشطة وألعاب تعزز قصة العلامة التجارية: بدلاً من الإعلانات السلبية، يمكن دمج العلامة التجارية في ألعاب مصغرة، أو فعاليات، أو تحديات تُشجع على المشاركة النشطة وتزيد من ارتباط المستخدمين بها.
• تحويل التفاعل السلبي إلى مشاركة نشطة: الهدف هو جعل المستهلك جزءاً من قصة العلامة التجارية من خلال تمكينه من التفاعل مع المحتوى، والتعبير عن نفسه، والمساهمة في بناء التجربة الافتراضية.
• خلق ولاء عميق من خلال تجارب شخصية وترفيهية: من خلال تقديم قيمة تتجاوز مجرد المنتج (مثل الترفيه، أو التعليم، أو الانتماء لمجتمع)، يمكن للعلامة التجارية بناء علاقات قوية ودائمة مع جمهورها في الميتافيرس.

التسويق عن طريق (NFTs) والمجتمعات اللامركزية

تُعدُّ الـ (NFTs) (الرموز غير القابلة للاستبدال) أداة ثورية في تسويق الميتافيرس و(Web3)، تتجاوز كونها مجرد أصول رقمية لتصبح جسراً استراتيجياً بين العلامات التجارية والمستهلكين. يتيح التسويق من خلال الـ (NFTs) بناء ولاء عميق، وخلق قيمة جديدة، وتمكين الجمهور ليصبح جزءاً أصيلاً من هوية العلامة التجارية.

كيف يتم التسويق باستخدام (NFTs)؟

1. بناء برامج ولاء قائمة على الملكية

تمنح الـ (NFTs) حامليها ملكية رقمية حقيقية ومزايا حصرية ودائمة، مثل الوصول الخاص أو الخصومات، مما يعزز الانتماء ويحوّل العملاء إلى سفراء.

على سبيل المثال، أطلقت "ستاربكس" (Starbucks) برنامج "ستاربكس أوديسي" (Starbucks Odyssey) الذي يدمج الـ (NFTs) ("طوابع رحلة") كجزء من برنامج الولاء، مانحاً حامليها وصولاً لتجارب فريدة.

2. خلق منتجات رقمية حصرية وقابلة للجمع

تصمم العلامات التجارية إصدارات محدودة من الأزياء الافتراضية أو العناصر الرقمية كـ (NFTs) وتبيعها؛ إذ تدفع هذه الندرة والقيمة الفريدة الطلب إلى الأمام، وتخلق ضجةً حول العلامة التجارية.

على سبيل المثال، تعاونت "تيفاني آند كو" (.Tiffany & Co) مع "كريبتو بانكس" (CryptoPunks) لإنشاء مجموعة "إن إف تي فيزيونير" (NFTiff) التي سمحت لحاملي "كريبتو بانكس" بتحويل الـ (NFTs) الخاصة بهم إلى قلائد مادية فاخرة.

3. فتح قنوات دخل جديدة وتمويل المشاريع

تتيح الـ (NFTs) تحقيق الدخل المباشر من الإبداعات، ويمكن استخدام العائدات لتمويل مشاريع مستقبلية أو دعم المجتمع.

على سبيل المثال، استخدمت فرقة الروك الأمريكية "كينجز أوف ليون" (Kings of Leon) الـ (NFTs) لبيع ألبومها، مانحة المعجبين إصدارات حصرية ومقاعد في الصف الأمامي طوال الحياة في حفلاتهم.

4. التسويق بالضجيج والكلمة الشفهية

تولد الطبيعة المحدودة والموجّهة للمجتمع للـ (NFTs) ضجةً وشغفاً؛ إذ يمكن للمسوقين استغلال هذا لخلق حملات تعتمد على الإثارة، الترقب، وحس الفخر بالملكية، مما يدفع المستخدمين لنشر الخبر بأنفسهم.

على سبيل المثال، اعتمد مشروع "كريبتو بانكس" (CryptoPunks) على هذا اعتماداً كبيراً؛ إذ أدت ندرة الـ (NFTs) وحالتها كمقتنيات فنية إلى ضجة هائلة وأسعار بيع قياسية.

5. دمج (NFTs) مع تجارب العالم الحقيقي

لا تقتصر الـ (NFTs) على العالم الافتراضي؛ إذ يمكن للعلامات التجارية دمجها مع تجارب أو منتجات في العالم الحقيقي لتقديم قيمة إضافية.

على سبيل المثال، أطلقت "نايكي" (Nike) سلسلة "كريبتو كيكس" (CryptoKicks) كـ (NFTs) مرتبطة بأحذية رياضية فعلية؛ إذ يمكن لأصحاب الـ (NFTs) "تصنيع" حذاء مادي يتوافق مع تصميم الـ (NFTs) الرقمي.

مستقبل التسويق في (Web3)

"ويب 3" (Web3) يمثل مستقبل التسويق الرقمي، ويقدم فرصاً هائلة لبناء المجتمعات وتقديم تجارب غامرة. إليك أبرز الفرص التي يقدمها التسويق في (Web3):

1. بناء المجتمعات القائمة على الملكية والمشاركة

التسويق سيتحول نحو إنشاء مجتمعات نشطة يمتلك أعضاؤها جزءاً من العلامة التجارية أو المشروع، ويشاركون في اتخاذ القرارات، مما يعزز الولاء والانتماء.

2. تجارب غامرة وشخصية للغاية

العلامات التجارية ستصمم تجارب تفاعلية ثلاثية الأبعاد في الميتافيرس تسمح بالتفاعل العميق مع المنتجات والخدمات، وتقديم قصص مخصصة للمستخدم.

3. تسويق مباشر ومبني على القيمة

التواصل المباشر مع المستهلكين وتقديم مكافآت رمزية (Tokenized rewards) مقابل التفاعل، مما يقلل الاعتماد على الوسطاء ويعزز الشفافية والثقة.

4. الاستفادة من البيانات التي يملكها المستخدم

سيتمكن المسوقون من الوصول إلى بيانات المستخدمين بموافقتهم الصريحة، مما يسمح بحملات أكثر استهدافاً وفعالية مع الحفاظ على الخصوصية.

5. نماذج اقتصادية جديدة

ستظهر نماذج تسويقية تعتمد على اقتصاديات الرموز (Tokenomics)؛ إذ يكسب المستخدمون الرموز أو (NFTs) مقابل ولائهم ومشاركاتهم، والتي يمكن تداولها أو استخدامها للحصول على مزايا.

6. أهمية المحتوى الذي ينشئه المستخدم (UGC)

بما أنَّ التحكم ينتقل للمستخدمين، فإنَّ المحتوى الذي ينشئونه ويشاركونه حول العلامات التجارية سيكون له وزن أكبر بكثير، مما يشجع العلامات التجارية على تضخيم هذا المحتوى.

في الختام

يمثّل التسويق في الميتافيرس و(Web3) نقلةً نوعيةً تتجاوز حدود التسويق التقليدي، فاتحةً آفاقاً غير مسبوقة للعلامات التجارية لبناء تجارب غامرة، وتعزيز الولاء من خلال الملكية الرقمية، وفتح قنوات دخل مبتكرة. استعرضنا في الجزء الأول هذه العوالم اللامركزية، وفهمنا أساساتها، من العملات المشفرة واللامركزية إلى الـ (NFTs)، كخطوة أولى نحو تشكيل مستقبل علاقة علامتك التجارية بجمهورها. وفي هذا الجزء الثاني، تعمقنا في الاستراتيجيات العملية والفرص الواعدة التي يمكن للمسوقين اغتنامها لتحقيق النجاح في هذا العصر الرقمي الجديد.